تنشر وسائل الاعلام الفرنسية حاليا تحليلات امنية حول الهجمات الارهابية التي وقعت مؤخرا في باريس , ومع ذلك هناك اسئلة ونقاط غامضة مهمة لا تطرح بشكل صحيح من وسائل الاعلام الفرنسية ولا يقوم المسؤولون الامنيون في فرنسا بتقديم اجوبة صحيحة عنها , وبعبارة اخرى لايطرح السؤال بهذا الخصوص بشكل دقيق ومنسجم ولا تقدم اجابة صائبة عنها.
وفي الحقيقة فان وسائل الاعلام الفرنسية منهمكة بوصف الازمة , كما ان الاجهزة الامنية الفرنسية مشغولة بادارة ظروف ما بعد الازمة , لذا فان تقسيم الاعمال الروتينية , سيؤدي الى بلبلة الرأي العام الفرنسي , وعدم وجود اجابات على الهواجس الراهنة التي تتزايد يوما بعد يوم.
وفي هذه الاثناء , فان بعض وسائل الاعلام ايضا تطرح اسئلة عامة , او تنقل تصريحات مسؤولين امنيين مجهولين , يسعون من خلالها الى الاجابة على هذه الهواجس بشكل سطحي , ومن الواضح تماما ان هذه التصريحات جاءت بايعاز رسمي , فعلى سبيل المثال نسبت وكالة الصحافة الفرنسية الى خبراء امنيين قولهم : ان "داعش" الذي اعلن مسؤوليته عن الهجمات غير المسبوقة في باريس , يدل على انه انشأ خلايا معقدة من المتطرفين في خارج المناطق التي تحتلها , وقادر على تنفيذ هجمات قوية.
والسؤال الاساسي هو متى واين وكيف استطاع "داعش" بناء خلاياه في فرنسا؟ مع الافتراض ان هذه الخلايا تم تكوينها داخل فرنسا او الاتحاد الاوروبي , ولماذا لم تتمكن الاجهزة الامنية في فرنسا وباقي الدول الاوروبية من رصدها ؟ فهل يمكن انشاء الخلايا في يوم او عدة ايام؟ والا تحتاج هذه الخلايا الى افراد ذوي خبرة ؟ وهل يتمكن افراد هواة بانشاء مثل هذه الخلايا؟.
واذا لم تكن كذلك , فلماذا لم تتمكن اجهزة المخابرات والامن الفرنسية من رصد ومراقبة المتطرفين المشتبه بهم في انشاء الخلايا الارهابية؟
ما هو مؤكد ان انشاء هذه الخلايات هي عملية معقدة جدا , وان ماشاهدناه في هجمات باريس يعتبر عملية معقدة ومدروسة , وانشاء هذه الخلايا مرتبط بسلسة عوامل بحيث تشكل الخطوط الرئيسية للخلايا , وفي هذا السياق , فان الانتحاريين او الخاطفين يعتبرون من العناصر الثانوية والتنفيذية لهذه الخلايا.
واستنادا الى ذلك , فانه لا يوجد شك في ان داعش قام بانشاء خلايا في بلد مثل فرنسا , ولكن توجد اسئلة عديدة حول فشل اجهزة المخابرات والامن الفرنسية من رصد ومراقبة هذه الخلايا , مما يثير الغموض حول هذه القضية المعقدة.
توجد فرضيتان لحل هذا اللغز المعقد , فالفرضية الاولى ان داعش متغلغل داخل الاجهزة المخابراتية والامنية الفرنسية , والفرضية الثانية , ايجاد مظلة امنية لداعش من قبل قسم هام داخل الاجهزة الامنية الفرنسية.
واذا اعتبرنا ان تغلغل داعش داخل الاجهزة المخابراتية والامنية الفرنسية أمر مستبعد , فان ايجاد مظلة امنية للتكفيريين من قبل قسم في المؤسسة الامنية في فرنسا وباقي الدول الاوروبية , موضوع لا يمكن اخفاؤه او انكاره ببساطة , وفي الحقيقة ان ما حدث في باريس يمكن اعتباره نتيجة لمخطط بعد الهجوم على مجلة شارلي ابيدو المسيئة للاسلام العام الماضي.
ومن الواضح فان الاحتمالات والمفاجئات ليس لها محل من الاعراب في هذه الهجمات , وان هناك نوعا من السلوك الواعي والمتعمد وراء تخطيط وتنفيذ العمليات وحتى ادارتها بعد التنفيذ يمكن ملاحظتها , وبعبارة اخرى فان مخطط العمليات الاخيرة في باريس لا يمكن اعتبارها لعبة بسيطة مع عناصر محددة.
وعلى كل حال يبدو ان على الحكومة الفرنسية ان تجيب على اسئلة متعددة حول هذه الاعمال الارهابية قبل بقية المتهمين. اسئلة من الممكن ان يكون قسم منها ليست سارة بالنسبة للحكومة ومسؤولي الاجهزة الامنية والمخابراتية في فرنسا , ومن الطبيعي فانه كلما يمضي وقت , فان الرأي العام الفرنسي وخاصة عوائل الضحايا ستطرح مزيدا من هذه الاسئلة والهواجس حول هذه الاعمال الارهابية , الى الحد الذي يعتقد فيه انه قطع يده بالسكين الذي يحمله./انتهى/
بقلم: محمد قادري، كاتب ايراني
تعليقك